في غابة "غوروغو" بضواحي مدينة الناظور شمال شرقي المغرب لا يزال عشرات من المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الأفريقية تحت وقع صدمة مقتل 3 أطفال ووالدتهم حرقاً قبل فترة، لكنهم يتمسكون رغم وقع المأساة ومعاناتهم المتواصلة منذ أشهر وسنوات بمحاولة اقتحام السياج الحدودي لمدينة مليلية التي تخضع مع مدينة سبتة لسيادة إسبانيا، في حين يعتبرهما المغرب مدينتين محتلتين، وسلوك طريق تحقيق حلمهم بمعانقة "الفردوس الأوروبي".
يقول المهاجر الكاميروني كلود (36 عاماً) الذي وصل قبل أكثر من عام إلى غابة غوروغو، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر امتدت أكثر من أربعة أشهر وكلفته نحو 5000 يورو (5455 دولاراً)، لـ"العربي الجديد" إن "الجو بارد في غابة غوروغو التي نعيش أوضاعاً سيئة فيها وتجارب صعبة، ونقضي أياماً بلا تناول أي طعام أو شراب".
يضيف: "حتى اللحظة، لا يزال الوصول إلى مدينة مليلية أمراً بعيد المنال. وقد حاولنا اجتياز سياجها أكثر من مرة منذ أن قدمنا إلى هنا، لكننا لم ننجح. وحلم الهجرة يجعلنا نتغاضى عن الأوضاع المأساوية الي نعيشها في الغابة".
ويخبر مهاجر من مالي يدعى مامادو (30 عاماً) "العربي الجديد" أنه يأمل في الهجرة إلى أوروبا من أجل عيش حياة أفضل"، ويتحدث عن معاناته مع عشرات المهاجرين السرّيين الآخرين الذين يمكثون في خيم غابة غوروغو التي تحرقها أشعة الشمس خلال أيام الصيف وتغرقها الأمطار في فصل الشتاء، ويقول: "أعيش في المخيم الذي يضم مهاجرين من بلدان مختلفة، مثل الكاميرون ونيجيريا والسنغال وساحل العاج. شيّدنا الصيف الماضي خيماً باستخدام حجارة وأغصان أشجار وبلاستيك، ونحن نعاني كثيراً من أجواء البرد الشديد هذا الشتاء، وعدم توفر الاحتياجات الأساسية من غذاء وتدفئة، كما يتملكنا خوف دائم على حياتنا من اندلاع حريق في الخيم أو الاختناق". يتابع: "يحتم تدني درجات الحرارة في الغابة إشعال المهاجرين النار، وهو ما تسبب في مقتل المهاجرة النيجيرية وأطفالها الثلاثة، في مشهد فظيع جداً. ونحن ندعو السلطات والمنظمات إلى تحسين أوضاعنا داخل المخيم".
في حركة دائمة
وفيما يختبئ غالبية المهاجرين في غابة "غوروغو" في انتظار أول فرصة سانحة لاقتحام سياج مدينة مليلية تحديداً، والذي يبلغ طوله حوالي 12 كيلومتراً، تمهيداً لتنفيذ الخطوة الأولى في طريق تحقيقهم حلم الهجرة إلى ما وراء البحر، نجح حوالي 140 منهم في دخول مليلية بين 12 و14 يوليو/ تموز الماضي، ثم حذا حذوهم في 22 من الشهر ذاته 238 آخرون نجحوا في الوصول إلى مدينة سبتة.
وكانت السلطات المغربية قد فككت في فبراير/ شباط 2015 مخيمات المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في غابة غوروغو، والتي شكلت محطة لتجمع المهاجرين السرّيين الذين يرغبون في دخول مليلية تحديداً، لكن مئات منهم استمروا في قصد الغابة باعتبارها المحطة الأخيرة للراغبين في التسلل إلى أوروبا عبر السياج الحدودي لمليلية.
ولم يمنع اعتقال حوالى 9100 مهاجر وترحيل 3000 آخرين إلى مدن وسط وجنوب المغرب و700 آخرين إلى بلدانهم الأصلية، في حملات أمنية نفذت عام 2018، من استمرار المنطقة في جذب المهاجرين السرّيين الذين ينشدون الحلم الأوروبي.
ويورد تقرير أصدره المعهد المغربي لتحليل السياسات في 15 سبتمبر/ أيلول 2020 أن خريطة انتشار مهاجري جنوب الصحراء تظهر أنهم في حركة مستمرة تختلف بحسب الخطة التي يضعونها لمحاولة العبور إلى القارة الأوروبية. وبالنسبة لمن يختارون اقتحام السياجين الحدوديين في مدينتي سبتة ومليلية، فهم يتحركون في اتجاه واحد وصولاً إلى مدينة تطوان (شمال) أو الناظور (شمال شرق)، مع محاولتهم تأمين قوت يومهم من دون الحاجة إلى جمع المال، بخلاف أولئك الذين يختارون عبور البحر، والذين يشكلون الغالبية، ويدفعون مبالغ مالية تتراوح بين 2000 و5000 دولار للمهربين، والتي قد ترتفع في فصل الصيف عندما يكون البحر هادئاً وتنخفض مخاطر الرحلة. ومن أجل مواجهة تدفق مهاجرين السرّيين، شيّدت سلطات مدينتي سبتة ومليلية سياجين شائكين زودتهما بأجهزة لاستشعار الصوت والحركة على مسافة 12 كيلومتراً من مليلية و8 كيلومترات من سبتة. وموّل الاتحاد الأوروبي عبر وكالته لحماية الحدود الخارجية "فرونتكس" تشييد السياجين بكلفة 66 مليون يورو (72 مليون دولار).
غابة غوروغو
وفي غابة غوروغو يتوزع المهاجرون الأفارقة بحسب الغالبية العددية والجنسيات. وأنشئت معسكرات للكاميرونيين والماليين والنيجيريين، لكنها تواجه كلها ظروفاً مزرية في ظل انعدام الشروط الصحية المناسبة.
ويوضح رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان غير حكومية في المغرب، شكيب الخياري، لـ"العربي الجديد"، أن المهاجرين الموجودين في الغابة المحيطة بمدينة الناظور اعتادوا العيش في مساكن تشيّد من بلاستيك يستخدمونها خصوصاً للاحتماء من الأمطار. وهذا الوضع ناجم في الأساس من منع السلطات تأجير منازل للمهاجرين الذين لا يملكون وثائق إقامة. وهم ينقلون إلى مدن أخرى من أجل إبعادهم عن السياج المحيط بمليلية.
يضيف: "يحاول هؤلاء المهاجرون الاختباء في الغابة، ويتحينون فرصة تجاوز الحاجز المحيط بمليلية. وهم لا يهتمون بالانتقال إلى مدن أخرى أو بتسوية أوضاعهم الإدارية في المغرب، بدليل أن المناطق المحاذية لمليلية شهدت أقل طلبات خلال عملية التي أطلقتها السلطات عام 2014 لتسوية الأوضاع الإدارية الخاصة بالأجانب".
أيضاً، يشير الخياري إلى أنّ المغرب يرفض منذ عام 2006 تشييد مراكز لإيواء المهاجرين السرّيين، ولم يقبل الحصول على تمويل لتنفيذ هذه المشاريع، إذ يصرّ على قطع الطريق أمام إيجاد مراكز إيواء مؤقتة للمهاجرين الذين يفكرون في الانتقال إلى أوروبا.
مهمات السلطات
من جهته، يرى رئيس فرع مدينة الناظور للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر تنظيم حقوقي غير حكومي في المغرب، محمد أمين أبيدار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "فاجعة مصرع المهاجرة النيجيرية وأطفالها الثلاثة تجدد مطالب السماح بإقامة المهاجرين وسط المدينة، وتجنب دفعهم إلى قصد الغابة المجاورة للمدينة التي يواجهون فيها أوضاعاً غير إنسانية".
وتتهم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سلطات مدينة الناظور بالتسبب في تفاقم خطورة الأوضاع التي يعيشها مئات من المهاجرين منذ سنوات عدة في الغابة، من خلال حرمانهم من حق السكن، ووضع شتى العراقيل أمامهم لمنعهم من استئجار أو شراء مساكن في الأحياء، وهو ما تفعله سلطات مدن مغربية أخرى في وجدة وطنجة وتطوان والرباط".
وتطالب الجمعية بـ "وقف التهديدات والملاحقات التي تطاول مالكي المنازل الذين يؤوون مهاجرين غير نظاميين، وتسهيل عمليات جمع وتوزيع المساعدات عليهم في أماكن وجودهم". وتعتبر أن استمرار "المنع يجعل المهاجرين السرّيين في الناظور يعيشون حالة شاذة على المستوى الوطني تدفعهم إلى الاستقرار في الغابات، حيث يتعرضون لتدخلات من السلطات أحياناً".
ويعتبر المغرب محطة عبور واستقرار لعدد من المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، والذين يبقون نحو سنتين ونصف السنة في أراضيه، بحسب دراسة أنجزتها الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة واللجنة الدولية من أجل تنمية الشعوب. ومع تزايد عدد المهاجرين من دول جنوب الصحراء الأفريقية وتشديد المراقبة على حدود الدول الأوروبية، يعتمد المغرب منذ عام 2014 استراتيجية خاصة بالهجرة واللجوء بهدف دمج المهاجرين عبر تسوية أوضاعهم القانونية، ومساعدة الراغبين منهم في العودة إلى بلدانهم. وساهمت الاستراتيجية في تسوية أوضاع حوالى 50 ألف مهاجر أفريقي سرّي استفادوا من برامج خاصة بالتعليم والصحة والعمل، وفي رجوع 3 آلاف شخص إلى بلدانهم الأصلية في إطار العودة الطوعية، بحسب تقرير أصدرته وزارة الخارجية عام 2018.